طفرة جينية نادرة تكشف: لماذا يكتفي البعض بساعات نوم أقل دون أن يتعبوا؟

طفرة جينية نادرة تكشف: لماذا يكتفي البعض بساعات نوم أقل دون أن يتعبوا؟
طفرة جينية نادرة تكشف لماذا يكتفي البعض بساعات نوم أقل دون أن يتعبوا؟

هل نحتاج حقًا إلى ثماني ساعات من النوم، في دراسة علمية مثيرة قام باحثون من الأكاديمية الصينية للعلوم بإلقاء الضوء على لغز حير العلماء لفترة طويلة: لماذا يتمكن بعض الأفراد من النوم لساعات أقل ومع ذلك يستيقظون بكامل نشاطهم وحيويتهم؟ تكمن الإجابة في طفرة جينية نادرة في جين يُعرف باسم SIK3، والتي تمنح حامليها قدرة استثنائية على النوم لفترات قصيرة دون أي تأثير سلبي على صحتهم الجسدية أو العقلية.

في إطار دراسة بحثية دقيقة، رصد العلماء حالة فرد ينام لمدة 6 من 3 ساعات فقط كل ليلة، دون أن تظهر عليه أي علامات للإرهاق أو القصور البدني أو الذهني. وقد تمكن الباحثون من تحديد طفرة في جين SIK3 كسبب لهذه الظاهرة الفريدة.

ولم يكن هذا الاكتشاف الأول من نوعه؛ إذ تُعد هذه الطفرة الخامسة التي يتم ربطها بما يُعرف بظاهرة “النوم القصير الطبيعي”، مما يعزز فرضية أن العوامل الوراثية تلعب دورًا محوريًا في تحديد عدد الساعات التي يحتاجها الإنسان للنوم.

لم تتوقف الدراسة عند البشر؛ بل قام العلماء بتعديل الجين نفسه لدى فئران التجارب، فلاحظوا أنها بدأت تنام أقل بنحو نصف ساعة من معدلها الطبيعي (12 ساعة). لكن ما كان لافتًا هو أن نشاط البروتين الناتج عن الجين المتحوّر — وهو نوع من الكيناز — تركز في المشابك العصبية، وهي المناطق التي تتواصل عبرها الخلايا العصبية، مما يشير إلى أن هذا البروتين يلعب دورًا مباشرًا في تنظيم عملية النوم.

يشير هذا الاكتشاف إلى أن الجسم — وبخاصة الدماغ — قادر على العمل بكفاءة أعلى أثناء فترات النوم القصيرة لدى بعض الأفراد، بفضل خصائص جينية محددة. تقول عالمة الأعصاب والوراثة يينغ-هوي فو لمجلة Nature: “الأشخاص الذين يمتلكون هذه الطفرات الجينية يؤدّون وظائف الجسم أثناء النوم بكفاءة أكبر مما نستطيع نحن.” وهذا يعني أن النوم ليس مجرد “راحة”، بل هو نظام بيولوجي دقيق تتحكم به إشارات كيميائية معقدة. ومع فهمنا المتزايد له، قد نتمكن يومًا ما من تعزيز جودة نومنا بدلاً من زيادته فقط.

هذا الاكتشاف لا يعني أن الجميع يمكنهم تقليص نومهم دون عواقب، لكنه يفتح الباب لفهم أكثر دقة لاحتياجات النوم الفردية، وقد يقود مستقبلًا إلى علاجات جديدة تساعد من يعانون من اضطرابات النوم أو ضعف جودة النوم. في عالم يُمجد الإنتاجية، تخيل لو تمكنا من استغلال ساعة أو ساعتين إضافيتين يوميًا دون المساس بصحتنا… هذا ليس خيالًا علميًا، بل احتمال علمي حقيقي تُمهّد له أبحاث كهذه.

ختامًا، كل ما كنا نظنه “قانونًا” في النوم، قد لا يكون كذلك. من خلال هذه الطفرات، يعيد العلم تشكيل فهمنا للنوم: ليس طوله فقط، بل كفاءته. قد يكون المستقبل قريبًا حين يصبح “النوم الذكي” أحد مفاتيح الحياة الأفضل!

تعليقات